التربية والتعليم بين الغرب والشرق

التربية والتعليم بين الغرب والشرق


مناسبة حديثي هنا هو تقديم سيّدة غربية لقراءة (عرض) لخطة طريق لكسب رضا العُملاء والمُحافظة عليه فيما يُسمى بإثراء والحفاظ على تجربة العميل، ودفعني التفكير لكتابة هذه السطور.
وكان الهم الوحيد هو إظهار البون الشاسع لا بل الواضح والجلي بين الغرب والعرب ... هنالك فروقات هائلة وكبيرة في كل المفاهيم تقريباً بين الغرب والعرب بالرغم من قرب الجغرافيا الكبير أيضاً. مما يجعل هذه المسألة الشغل الشاغل والمُحيّرة للدارسين والمشتغلين في أمور من هذه الطبيعة.

المُخ هو نفس المُخ والإستعداد هو نفس الإستعداد ولكن منّا من يقتل الإستعداد لا بل وصل الأمر إلى أن يكون الفكر الجمعي هو الجاني.

التربيةُ والتعليمُ شيئان مختلفان كثيراً، فالتربية تكون أكثر خطورة في المراحل العمرية الصغرى ولكنها تستمر حتى ممات الإنسان تماماً كما التعليم الذي يكون أكثر أهميّة أيضاً في مراحل يكون فيها الإنسان أكثر استعداداً للتعلم وعندما يتوقع منه المُجتمع ذلك.
المُهم هو أنّ التربية يتكفل بها الأبوين في البداية لذا يكون دورهم بالغ الأهمية بالنسبة لصغيرهم في المراحل العمرية الأولى من عمره. ولكن يجب ألا ننسى العامل المهم جدّاً في الإستعداد الآدمي وهو العامل الوراثي ... فهذا العامل يلعب دوراً كبيراً في تحديد شخصية الإنسان وميوله ورغباته وقدراته ولكننا لا نعي هذا الجانب لأنه يتشكل فيما بعد وعلى مراحل عمرية مُختلفة ... فهو غير مُدرك ولكن تُحدده كل مرحلة عمرية.

المُهم هو أنّ الغرب لم يترك فجوات في حياة الصغير كما يحصل عندنا نحن العرب ... أشبعوا الجانب العاطفي لدرجة كبيرة وهنا نتحدث عن الحالات الطبيعية الأسرية ... وإن لم يكن الفرد في أسرة فالمُجتمع تكفّل به وهو يتعلم من المُحيط ...
لدينا نحن العرب قصص نجاح كثيرة في أشخاص بنوا أنفسهم وبدأوا من الصفر وتعلموا وأصبحوا أناساً مفيدين جدّاً للمجتمع.
ما يُؤخذ على مجتمعاتنا أنها تتلقف الأمور تلقفاً ... فالإنفعال هو أبرز ملامح ردنا على مسألة ما، غياب التخطيط وغياب ُمق التفكير ... الغربي يدرس الأمر ويعرف أسبابه ويُحيّد مشاعره وعواطفه بقدر الإمكان. يلجأ دائماً إلى فطرته وسليقته ... هنالك صوت داخلي في كل إنسان فينا... هذه هي طبيعة الإنسان ... الوازع النفسي الذي يجعلك تعمل الخير أو تلجأ إلى الشر.

أجدُ كثيرين ممن ينزعون إلى الحكم بتسرع، نحنُ بحاجة إلى أن نلتقط الأنفاس ونجلس فترة مع وقتنا مع أنفسنا ونراجع ذاتنا، يجب أن نُفكّر قبل أن نُقدم على فعل أي شيء ونتذكر عواقبه ومن سيُسيئه ما نقول ... وهنالك قاعدة ذهبية تعلمتُها وهي: ضع نفسك مكان الآخر دائماً ... كان مُحقاً أم مُخطئاً. الغرب عرف كيف يُطبق هذه القاعدة ... الغربيون ليسوا متلقون فقط ولكن يعرفون أن من صميم حقوقهم هي تمحيص الكلام والحديث والمطلوب منهم. علينا جميعاً أن نعلم أننا جميعُنا شُركاء في هذه الحياة والتعاون فيما بيننا يفرض نفسه.
هذا يقودني إلى فكرة وجود رئيس للمجموعة وقائد، كيف أن ضرورة العيش الاجتماعي تُحتّم وجود قائد ورئيس ... هذا بحث مستقل وطويل ومُعمّق.
أعود للتربية والتعليم الغربي فهو لم يترك أسئلة بدون إجابة، يتوخى الغربي والصدق والصراحة بقدر الإمكان. لا يترك مناطق مُظلمة، التلقين مرفوض ... كل شيء قابل للنقد من أجل الإصلاح والتحسين.

هذه السيّدة يُمكن أن يكون لها نظير ومماثل من العرب لأن العقل والمخ موجود ولكن بعد أن أشبعت هذه السيدة كل شيء لديها في طفولتها تفرغت لدراسة الموضوع وأبدعت به وخاصة أنّ المردود المادي مُجزٍ جدّاً. وأحياناً كثيرة أجدُّ بأنّه بمجرد وجود هدف في حياة الإنسان فإنّ ذلك كفيل بتحقيق النجاح له. وجود الهدف هي خطوات على طريق الألف ميل.

وما ألاحظُهُ هو الغوغائية عند الكثيرين ... الغوغائية تهدم ولا تُفيد لا صاحبها ولا المُجتمع، انتعشت الغوغائية بإنتشار مواقع التواصل على شبكة الإنترنت وفتحت المجال واسعاً لكل من هبَّ ودبَّ أن يتكلم في كل موضوع وفي أي وقت ويُناقش أي شخص. فعلينا أن نُفكّر قبل أن نكتُب وفيما نقول ونكتُب دائماً وما أثر ذلك على غيرنا.
كثيراً ما يحدث معي أن أغضب من شخص ما بسبب فقدان شيء أو خسارة شيء قد يكون هو سبب ذلك ولكن تعلّمتُ ألا أتسرع في الغضب ولكن يجب التمهّل وعدم الحكم على الآخر فقد أجد ما قد فقدتُه وبالفعل في اليوم التالي أو لاحقاً أجدُ الشيء الذي ضاع ... وعلينا أن نتعلم بأنّ الغضب عدو لدود يتربص بالغضبان فيجعله يُفكّر في اللحظة الآنية وينسى كثير من الأشياء المُهمة ومن الإعتبارات اللازمة.

نظام التعليم لدينا غير متخصص ولا يحاور العقل بالضرورة، كثرة المُحرمات في مجتمعاتنا تُكبل حرّية التفكير والعمل والتفكير خارج الصندوق. بالرغم من أنّ الدين حضّنا على التعلم والعلم. ولكن هنالك من اتخذوا من الدين وسيلة لفرض الإستبداد والظلم على العباد بجة الدين وبإسم الرب. أستطيع اتهام نظام التعليم بالشمولية المقيتة التي قتلت التنوّع والإختلاف الفردي والجماعي.

نظام التعليم الغربي مرن وتراكمي واستقصائي وواقعي. ما نُمهر به هو قتل الطموح والإبداع بإجترار تجارب الأجداد بالقول: "الله يرحم جدودك ...ألخ " وأنت أصلك كذا وكذا فكيف يصدر منك هذا العمل الرائد والمُتميّز الذي لم يسبقك إليه أحد. للأسف نفوس مريضة انشغلت بالغير على انشغالها بنفسها.
علينا ألا ننس أننا في الأوّل والأخير إنسان بصرف النظر عن مكان الإقامة والأقارب والدولة والعرق و و و و ... ألخ. ولكننا نتعامل مع بعضنا البعض كأرقام وتغيب عنّا الصورة العامّة وننسى أنفسنا في تفاصيل تافهة لا قيمة ولا فائدة منها.

ننسى أن رحلة العمر قصيرة وأننا لن ندوم على هذه الأرض فسوف يأتي من يخلفنا في المال، وبما أنّ حياتنا سنين معدودة لما لا نقضيها بسعادة وحب ووئام وتفاهم وأمل وتعاون وتراحم فيما بيننا ... لماذا تأخذنا العزّة بتكفير الآخر ورفض رأيه ونعتقد بأننا نحن على صواب وغيرنا على باطل وأنّ كل ما نقوله صحيحاً ولا يحتمل الخطأ؟ وهنا تبرُز الأهمية المُطلقة للحوار الذي للأسف يجد من يرفضونه.

ما يُميّز الإنسان عن باقي الكائنات الحيّة هو وعيه بوجوده وكينونته وإدراكه بالتالي للوقت. نفشل في كثير من الأحيان في إدراك أن الإنسان ذو قيمة كُبرى لا يُمكن تعويضها ولكن يجب في ذات الوقت ألا ننسى أن الإنسان هو ذاته من يُعطي لنفسه الأهمية ويفرض على الآخر الإعتراف بإنسانيته فهي بالتالي اختيار من الشخص ذاته.
ها أنا ذا قد كتبتُ هذه الكلمات ولكن هل أجد من يستوعب ويُدقّق في كل عبارة ويستخلص العبرة؟ فكثيرون لا يُحسنون القراءة والتمعُّن. تمر علينا في حياتنا أشياء كثيرة لا ننتبه لها بالرغم من أهميّتها ومتعتها.
لم أكتب هذا حتى يُقال كتب أو أنّه يكتُب ولم يكُن في مُخيّلتي إلا أولئك الذين امتدحوني آخر مرّة فالمديح والثناء بالنسبة لي تدفعني أكثر وأكثر للإنتاج والمضي قُدماً.
وسأكتب اسم كاتب السطور أعلاه الإنسان الرائع والبطل المُفكر الفذ

خلدون عبد النبي عبد القيسي
20 كانون الثاني 2017


Comments

Popular posts from this blog

العنصرية والتمييز حقيقتان تحتاجان الدراسة ٌRacism and Discrmination, Two Facts in Need for Study