مقالة في صحيفة الغد الأردنية أعجبتني كثيراً

المقالة بعنوان "خطوات بسيطة للتصالح مع الذات" للكاتب والباحث التربوي عبد العزيز الخضراء، نُشرت في صحيفة الغد الأردنية يوم الثلاثاء تاريخ 30 تموز / يوليو 2013. 


المقالةُ جميلةٌ جدّاً وعلّقتُ عليها، وقلتُ بأنّها يجب أن تُكتب بماء الذهب. والموعظة الآن هي هل نقرأ؟ القراءة والتمعن والتفكر صفاتٌ مُميّزة للإنسان عن باقي الكائنات الحيّة على وجه الأرض.

إعمال العقل والتفكير عادةٌ ضروريةٌ ويوميةٌ وإنشغال الإنسان بما يُفيد أعظم عمل يقوم به في حياته.

الإنسان خطّاء ونسيّ ولذا أُشتُقّت كلمة الإنسان من المصدر النسيان ، ومنهم من يقول من الأُنس أي يأنس بوجود الآخرين في المجتمع.

وهنا، وفي هذا الصدد، يجب أن لا تفوتني خاطرة مرّت عليّ هذه الأيّام، وهي تتعلق بخلاصة تجربة فردية مع أحد الأفارقة الذين سألته عن حاله وعن الأجواء في بلده وهو صديق غير مقرب ، عرفتُه عن طريق شخص آخر عمل معي في دُبيّ. المُهم هو أنّه ردّ عليّ بعبارةٍ تُدللُ على التربية والبيئة والعقلية التي تربّى عليها. فقال: بحمد الله كل شيء تمام والجو تمام أو بما معناه.

فعرفتُ أحياناً أن التدين يعني عند البعض هو التسليم والتواكل والتوقف عن إعمال الفكر وعن التفكير. وما يفعلونه خطأ فادح وهذا لا ينطبق على جميع المتدينين أو المُتشددين في شتّى مناحي الحياة. المهم هو أنهم بالفعل هم أطبقوا الأبواب على عقولهم وعلى تفكيرهم وراحو يغرفون من نصٍ واحدٍ جامدٍ لا يتطور بتطور الحياة والبشر يوماً عن يوم. فهم لا يملكون تغيير هذا المُعتقد ليواكب الحياة المتغيّرة بإستمرار. وأقصد هنا هو عدم تغييره إلى الأسوء ولكن يجب أن يكون المحتوى الإيماني مرن ويخدم البشرية والإنسانية أوّلاً وقبل كل شيء. 

وهؤلاء مساكين لأنهم يعانون في حياتهم ، فعادةً ما يكون التطور والتقدم الفكري عندهم بطيء جدّاً. والأمّة التي تسلّم عقلها وفكرها وتجمدهم في نصوص لن تستمر وسوف تعاني المشاكل والويلات على جميع الصُعد. لماذا؟ لأنها ستبقى في صراع مع ذاتها وسوف تكون فريسة سهلة لمن يتربص بها من الخارج. لذا فأي أمّة تصبح قويّة وذات مناعة مقاومة إذا كانت مرنة التفكير وسريعة التعافي. وتعتمد على قاعدة عريضة من أبناءها.

فأساسُ الصراع عند الإنسان برزَ حول الحق والشر وعندما لا يكون للحق ولا للشر معيار يتفق عليه جميع أبناء الأمة تدبُّ الخلافات البينية وتتعطل المصالح وتُصبح الأمة اتكالية على الأمم الأخرى التي طهّرت عقولها من الشوائب العبثية والمفاهيم الشمولية الآنية.

إنّ إغلاق الباب على الفكر والتفكير يؤدي بصاحبه إلى الفقر وكره الناس له ومعاداته. 

ومرّ عليّ في حياتي من يستخدمون الدين وهم لهم لحى لمآرب شخصية، لإصطياد الناس وتغليطهم وإتخاذ المواقف إتجاهم وتأليب الآخرين عليهم. فكيف يكون هذا الشخص تقي ونقي؟ فهو مليء بالشوائب وهو أبعد ما يكون عن الواقع والتجرد من كل انحياز أوتغوّل.

ولا يقتصر الأمر على العقائد بل يمتد إلى التشدد في المواقف في الحياة بشكلٍ عام، فتجد السياسيين مخطأين ومتشددين وكذا رجال الأعمال والأبوين في المنزل والولد والبنت ... لكل واحد له معايريه ودستوره. هذا جيّد إن اتسم بالمرونة وإن كان لا يصطدم  بقاعدة حفظ النفس. فطالما أنّ الفرد آمن ويعيش بسعادة فلا بأس. ولكن الأمر السيء هو التشدد في الموقف والرأي ومحاولة فرضه على الآخر.

أعود إلى المقالة التي سأعيد نشرها فيما يلي:

"ما إن يرى الفرد شخصاً غريباً، حتى يبدأ بإطلاق أحكامه عليه، وخصوصاً إذا كان ذلك الشخص ينحدر من ثقافة أخرى أو من معتقد آخر.
وكلّنا يحمل في داخله قاضيا صغيرا، ولكنه ظالم في كثير من الأحيان، ومتسرع في إطلاق أحكامه، قاضٍ لم تنصّبه المحكمة، بل إنه حتى لم يدرس القانون، فهو نتاج لصراع الإنسان مع ذاته، وعراكه المستمر مع نفسه، ولذلك، يرفض هذا القاضي أي صلح بين المرء ونفسه.

لكي يتصالح الفرد مع الآخرين يجب عليه أن يتصالح مع ذاته، وأن يتقبلها بكل عيوبها، بضعفها وبزلاتها بدون أن يحكم عليها، وبدون أن يصنّفها أيضاً. عليه ألا يقهر نفسه، وألا يهينها ويحقّرها، فكما يدينها تدينه، والجزاء من جنس العمل. أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تَقْبل الآخر بكل اختلافاته وتناقضاته، ليس لأنك تحبه، ولكن لأنك، ببساطة، لا تكرهه.
ولكي يحقق الفرد التصالح مع الذات، عليه اتباع الخطوات الآتية:

- أن تترك الوعظ جانباً، وتهبط إلى المجتمع حتى تفهم مكوناته، وتستوعب تقلّباته التي تشكّل، في خضم تناقضاتها، نسيجه اللامحدود، الذي لم يزده الوعظ تماسكاً. يعتقد ابن خلدون بأن الوعظ، في أحيان كثيرة، يؤدي إلى سفك الدماء، فالناس، لبساطتهم، تثيرهم المشاعر، ويهيجهم الكلام الوعظي، فيندفعون كبركان ثائر، ليدمّر الأخضر واليابس. انظر إلى الشباب من حولك، هل زادهم الوعظ صلاحاً؟

- أن تدرس الواقع كما هو، بدون أن تفرض عليه قوانينك أو معتقداتك أو تعاليمك، وبدون أن تنصب ثقافتك كميزان لقياس مدى صلاح المجتمع، فكل يعتقد بأن ثقافته هي الأصوب.

- التلخي عن الخرافة، ولن يتأتى لك ذلك إلا من خلال العلم. فكما تقول الحكمة "كلّما زاد العلم، قلّت الخرافة.. تأمّل قليلاً وستعرف ما هو العلم"، يقول كونفيشيوس: "لكي تصل إلى المعرفة عليك أن تبدأ بالتفكير".

- الدفع بالتجريد إلى حده الأقصى، لكى ترى الوجود الخالص المجرد من كل ما هو حسّي، وكل ما هو تاريخي، ويعني ذلك أن تنسى تاريخك، للحظات، وتبدأ تاريخاً جديداً، تستهله بحلم أو طموح، تاريخ يبدأ بكلمة اقرأ.
عندما ترى شخصاً ما يقوم بفعل سيئ، في عُرفِك، فلا تحكم عليه بأنه إنسان سيئ، فلقد قال الفلاسفة، بعد ألفي عام من النقاش، إن جوهر الشيء لا ينتمي إلى الشيء ذاته، فقد تكون الظروف، وليست نفسه الشريرة، هي التي دفعت فقيراً إلى السرقة. لقد توصل الفلاسفة إلى أن جوهر الشيء مرتبط بعالم الفكر والروح، لا عالَم المادة، لذلك كان التصالح مع الروح أولى خطوات الحضارة.

- العودة بالذاكرة إلى الوراء، وتبدأ منذ أول ذكرى في حياتك، وعند أول معلومة حفظتها، ثم قم بمسح كل ذكريات العنف والأسى والقهر، وامسح كذلك كل ما حفظته من شعر الحماسة وشعر الهجاء، ولا تنسى أن تمسح أيضاً كل معلومة عن الحروب التاريخية، تلك التي عاصرتها، أو قرأت عنها، أو حتى تمنيتها.

- أن تناهض التعميم، وتعارض فكرة الشمولية. فالتعميم يلغي خصائص الأشياء ويمحق صفات الناس المتباينة، ليحيلهم جميعاً إلى قالب واحد، أشبه بالحجر في قسوته، وأقرب إلى الفخار في هشاشته.. التعميم يلغي مميزات الأشياء، تماماً مثلما يلغي الظلام كل الألوان.. التعميم هو أقرب وصف للظلام.
المتصالح مع ذاته يشبه النهر الذي يستمر في صبّ مياهه العذبة في البحر المالح رغم علمه بأنه لن يجعله حلواً، فهو يعلم بأن مهمّته تكمن في ري الأراضي التي يمر عليها، وليس في تحلية مياه البحر.

- الإنصات كثيراً، ليفهم الفرد أكثر، ينصت للأفكار التي يبثها الناس في السماء من حوله، تلك التي تحلّق وتحط على الصامتين، المنصتين، المتأملين، الذين يظنون بأن الفكرة لا تحلّ إلا على من يستحقها فقط.

السماء لذلك المتصالح هي مصدر الحكمة، والأرض هي مصدر الشقاء، لذلك تجده يطيل النظر إلى السماء دائماً، حتى يتحلى بصفات أهلها. تقول الحكمة "الأشخاص العظام يناقشون الأفكار، والأشخاص العاديون يناقشون الأشياء، أما الأشخاص الصغار، فإنهم يناقشون الأشخاص".

عبد العزيز الخضراء

كاتب وباحث تربوي  "

خلدون عبد النبي القيسي
30 نيسان / أبريل 2017


Comments

Popular posts from this blog

العنصرية والتمييز حقيقتان تحتاجان الدراسة ٌRacism and Discrmination, Two Facts in Need for Study