حكايتي مع الحكومة والجامعة الأردنية والمئة وخمسون ديناراً


أولاً ، أودُّ من خلال هذه المشاركة أن أوضّح وأبيّن المدى الذي بلغتهُ إزدواجيّة تطبيق القانون على المواطن الأردني التى تتجلى في أوضح صورها في القصة التالية:

قصة "المئة وخمسون" تعود إلى ما قبل 15 عاماً أو أكثر قليلاً وعندها كنتُ طالباً في الجامعة الأردنيّة ، وكانت أوضاعي الماديّة تُحتّم عليّ البحث عن أسباب الصمود والإستمرار في الحياة الجامعية وتحقيق الهدف وهو الحصول على الشهادة الجامعية الأولى . وكان الهدف هو الإنتهاء ومفارقة الجامعة في أقرب وقت ممكن.

المهم هو أنني، بعد جهدٍ جهيد، لجأتُ إلى صندوق إقراض الطلبةفي الجامعة ، وهو بالمناسبة ليس منحة أو مُساعدة ولكن قرض. ولكن كان الصندوق إيّاه يفرض على الطالب المُقترض شروط شبه تعجيزية ومُهينة ووثائق وصور عنها بصورة مذلة لطالب القرض. وكأني بالجامعة ومن خلفها الحكومة سيقدمون للطالب أموال قارون أو قصر أو فيلا ... ألخ.

وعليه، يجب أن لا يُستشف من تذمري من الشروط وإنتقادها أنني أتناقض مع مرمى هذا المقال وهو تعرية الممارسين والقائمين على الشأن العام، لا شكّ بأنّ الدولة لها الحق، وكل الحق في حفظ المال العام. ولكن ليس لها الحق في تطبيق القانون على فئة أو فئات من المواطنين دون غيرهم (إزدواجية تطبيق القانون).

ناهيك عن كل ما سبق، كان من بين الشروط هو إحضار كفيلين لتوقيع شيكات تأمين على المبلغ (150 دينار). وبدأت الرحلة في البحث عن الكفلاء وإحضارهم للجامعة ، وهنالك من رفض بارغم من قربهم مني ومعرفتهم بأوضاعي. المهم هو أنه في النهاية حضر الكفلاء (اثنين) على أوقات متفرقة وكان الوالد ، رحمه الله منهم.

المهم أيضاً هو أنّه بعد تخرّجي من الجامعة بسنة أو سنتين تفاجأت بأنّ الحكومة ومن خلفها الجامعة العتيدة قد حجزوا على منزل الوالد وأمطروا الكفيل الثاني بالمكالمات الهاتفية مطالبين بسداد المبلغ (150 دينار).

ولكني في النهاية ، ذهبتُ إلى دائرة حكومية في العبدلي ودفعت المبلغ وفككت الحجز على منزل الوالد. وأنا لستُ مستاء لأنني دفعتُ المبلغ لأنّ هذا واجبي على وطني، ولكن ما يُسيء لنا جميعاً هو ما يلي:
الحكومة الأردنيّة آنذاك وكذا الحكومات المتعاقبة لا تسن سكينها ولا تُمضي قوانينها إلاّ على المواطنين الضعفاء وغير المتنفذين أو الذي لا يجدون ظهراً يسندهم في الحكومة أو الذين يأبون أن يطلبوا أو يترجوا أو يتقربوا كما هو الحال بالنسبة لي.

التساؤل هو أين هذا الأداء الحكومي والصرامة في التعامل مع مسؤولين كبار في الدولة سرقوا الملايين بل مئات الملايين من المال العام وخزينة الدولة جهاراً نهاراً ... ونفذوا بجلدهم. ليس سرقة المال العام فقط بل واستغلال المنصب العام من أجل التكسب والحصول على امتيازات للمصلحة الخاصة. أسمع وسمعت عن أبناء ذوات درسوا وحصلوا على منح وبعثات حكومية في جامعات دولية ومحلية حديثاً وقديماً، أي درسوا بالمجان ولم يسددوا ما عليهم من أقساط وقروض وذمم من المال العام، "مال الخزينة".
 وفي هذا الإطار، يجب أن لا ننسى القبولات الجامعية المبنيّة على أسس غير عادلة لأن الذين لم يلتحقو بالسلك العسكري،على سبيل المثال لا الحصر، لم تُتاح لهم فرص متكافئة مع غيرهم للإلتحاق بهذا الحقل. والتعسّف في تطبيق القانون يُشجّع الشوفينيّة الوطنيّة أو الفئوية بالأحرى. لأنّه من المُسلّم به والأصل هو أن كل الأردنيين يحبون ويدافعون عن بلدهم ووطنهم ولا يجوز التمييز بينهم على أي أساس ومن بين ذلك الوظيفة أو العمل.

ازدواجية تطبيق القانون على المواطنين تؤدي إلى إشاعة الكراهية بين الناس والشعور بالغُبن والظلم والتمييز وعدم المساواة، وكل هذا يقود إلى العنف والطبقية والصراع ومن ثم إلى انهيار الدولة والنظام من الداخل لفقدان الثقة بها وبه من قبل المكون الرئيسي لها وهو الشعب. كل ما تقدّم ليس نلام نظري أو سرد ولكن واقع حصل في دول كثيرة وعبر التاريخ.

ولكن بالرغم من الحيف والتمادي والتعدي على المال والمنصب العام، فإنّ الإنسان يجب أن لا يقيس مدى حبّه ووفائه لوطنه على أحداث أو حوادث كالسابقة. الوطن لا يبخل على أبنائه دائماً. إنّ وجود شخص أو مجموعة أشخاص غير أسوياء في موقع ما لا يجب أن يؤدي إلى تعميم الأحكام والتسرع في إطلاقها. للوطن علينا حقوقاً أكثر مما لنا عليه. وعلى الإنتهازيين والإستغلاليين ممن أُتيح لهم خدمة الوطن أن يتقوا الله فيه ، ويضعوا نصب أعينهم مصلحته ... لأنّهم يُعتبرون قدوةً في مواقعهم، فإمّا أن تكون قدوة سيئّة أو حسنة. والتاريخ لا يرحم.

خلدون عبد النبي القيسي
16 أكتوبر 2014

ملاحظة: هنالك الكثير من الناس من يتعرضون لسوء المعاملة والتمييز الرسمي لصالح فئات مُتنفذّة وأبناء ذوات وهؤلاء الضحايا لا يملكون الوسائل للتعبير عن غضبهم والتنفيس عمّا يجول في نفوسهم.

لا تنسى زيارة قناتي على يوتيوب هنا

Comments

Popular posts from this blog

العنصرية والتمييز حقيقتان تحتاجان الدراسة ٌRacism and Discrmination, Two Facts in Need for Study