أفكار حول مفهوم الحرية Thoughts on the Concept of Freedom in Arabic

الحرية
الحرية مفهوم واسع وشامل


الحرية تعني التحرر من العبودية لأي شيء والحب الشديد والمُبالغ فيه للمال والشهوة والأمور الدنيوية الزائلة.

الدين الإسلامي أعطى الحرية معنى سامي وأكبرها ومن ذلك أنّ العبودية لا تجب إلاّ لرب واحد هو الله وكل ما دونه لا يُعتدُ به. ولكن المتطرفون يُحرّفون الكَلَم عن مواضعه ويأخذون الناس بعيداً عن الدين الحق والصحيح والصحي.

إنّ التطرّف والمُغالاة على نقيض تام من الحرّية لأنّ الإنسان يُصبح عبداً لفكرٍ ما واحد لا غيره ، وبذلك يستبد برأيه وفكره ويرفض أي حوار أو أي فكرة أخرى . ويزداد الأمر سوءاً عندما يفرض هذا الإنسان، الذي لم يعد إنساناً بل متوحشاً يسكن في داخله شيطاناً رجيماً، فكرهُ على الآخرين ويدعيهم بالكفار.

ولكن الحمد لله ، فإنّ المتطرفون من المسلمين قلّةٌ قليلةٌ ولكن هذه القلّة تُصبح أكثر تطرفاً ودموية عندما تواجه فئة أخرى ليست ذات عصبية دينية بل عصبية مصلحية لا تعتدُ بالغيبيات وتقدس الهيمنة والسيطرة بشكل هستيري "التتطرف" . عند ذلك يصبح الصراع حتمياً بين الطرفين لأنّ كلاهما عصبي ويحمل فكراً متشدداً ولكن لا بُدّ وأن يكون أحد الطرفان على حق ولو نسبياً وليس بالمطلق.

ومن عصبية الفئة الثانية إحتلال أراضي الغير وإدعاء الكمال وازدراء الشعوب الأخرى وتقديم المصالح الذاتية والمادية على حياة الشعوب الأخرى ، وهذه العصبية أقل وطأة من عصبيّة المتديّن الذي يفرض نفسه ورأيه وطريقة حياته على الأخر.
ووردَ في الأثر ورد أن عمر بن الخطاب قال: "كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

إنّ الحريّة مفهوم عملي واسلوب حياة ويحتاج إلى الكثير من الجهد لكي نستوعبه ونتشربه فهو يعني التحرر وتحرير العقل والفكر من الأفكار البالية والعصبية... الخ.
ومما لا شكّ فيه أنّه لا يجوز الإعتداء على حريات الآخرين وبذلك يضمن كل شخص حريته وعزّز القانون صون الحريّات بكفالتها للجميع ووضع حدوداً وأطراً في ظروف مختلفة يتم من خلالها تناول الحرية من أبواب وتقديرات مختلفة.

والمعضلة الأساسية هو عندما يغيب مفهوم الحرية بالمطلق ومن الأساس علماً بأن الحرية تخضع للموروث الثقافي والعُرف في المجتمع وبإختلاف المجتمعات يختلف مفهوم الحرية بالنسبة لها. فما نجده حرية في بلادهم نراه نحن مستهجناً عندنا.

والطامّة الكبرى هو تقييد حرية المجتمع ككل ووضعها في قالب واحد هذا إن وضعنا الحرية الشخصية جانباً. إذ أن تقييد الحرية الجماعية ينذر بكارثة على أصحاب البلد والمجتمع ... وهذا ما يدعو له المتطرفون والتكفيريون وهم يحاولون حشد الناس ليواجهوا بعضهم البعض ليقتتلوا بينهم كما يحدث الآن في بعض البلدان العربية.

أمّا مفهوم الحريّة لدى ذوي السلطان من الملوك والأمراء والرؤساء فيكاد يكون غائباً لأنّهم عبدوا السلطة واستأثروا بها واستبدوا بالقرار ويصح ذلك على العرب أكثر من غيرهم من الشعوب وخاصة في الوقت الراهن وفي العقود الماضية. سمعنا وقرأنا كيف كان يزهد القوّاد المسلمين بالسلطة والرياسة ومن ذلك ما نُقل عن عمر بن عبد العزيز قوله: "نحّوني عنها" يعني الخلافة . ولأن المسلمين الأوائل استشعروا عظم أمانة المسؤولية وعدم قدرتهم على مخالفة أوامر الرب قال عمر بن الخطاب: "لو أن بغلة تعثرت في أرض العراق لسئلت عنها يوم القيامة." أو بما معناه.

إن التشبث بالسلطة والإستئثار بها يتناقض مفصلياً مع الحرية الذاتية أولاً وحريّة المجتمع ثانياً و يعد ضرباً من ضروب العبودية لغير الرب المعبود . ويؤدي الإستبداد إلى شيوع الفساد وانتشاره بين الناس لأن السلطة والقوة الجمعية تتركز في يد شخص أو مجموعة أشخاص تجمعهم الأنانية وحب الذات فقط لا غير.

إنّ الحرية تحفظ النفس وتطهر الروح وتسمو بها عن ملذات وفواحش الدنيا ... والحرية تشمل حرية الرأي والرأي الآخر وإحترام الرأي الآخر ايماناً منّا بحرية الآخر في التعبير عن رأيه.

ولكن ما هي الحرّية المسؤولة؟ وهل يوجد ما يسمى "الحرّية المسؤولة"؟
لا يوجد حرية مسؤولة ولكن يوجد قاعدة تقول أن حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر ... وفي ذلك اطناب واسهاب إذ أن المقولة أو القاعدة تلك تفسر نفسها بنفسها لأن الحريات لا تنتهي ولا تتناقض بل تتكامل. ولا يوجد حرية دون أخرى فالحرية مفهوم واحد وعالمي وشامل تعني حرية الحياة والتعلم والإحترام ... الخ.

خلدون القيسي

khalduna@gmail.com

Comments

Popular posts from this blog

العنصرية والتمييز حقيقتان تحتاجان الدراسة ٌRacism and Discrmination, Two Facts in Need for Study